فصل: هذا باب الفاعلين والمفعولين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة

وذلك قولك‏:‏ ما كان أحد مثلك وما كان أحد خيراً منك وما كان أحد مجترئاً عليك‏.‏

وإنما حسن الإخبار ههنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه ولأن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا‏.‏

وإذا قلت كان رجل ذاهباً فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله‏.‏

ولو قلت كان رجل من آل فلان فارساً حسن لأنه قد يحتاج إلى أن تعلمه أن ذاك في آل فلان وقد يجهله‏.‏

ولو قلت كان رجل في قوم عاقلاً لم يحسن لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا عاقل وأن يكون من قوم‏.‏

فعلى هذا النحو يحسن ويقبح‏.‏

ولا يجوز لأحد أن تضعه في موضع واجب لو قلت كان أحد من آل فلان لم يجز لأنه إنما وقع في كلامهم نفياً عاماً‏.‏

يقول الرجل‏:‏ أتاني رجل يريد واحداً في العدد لا اثنين فيقال‏:‏ ما أتاك رجل أي أتاك أكثر من ذلك أو يقول أتاني رجل لا امرأة فيقال‏:‏ ما أتاك رجل أي امرأة أتتك‏.‏

ويقول‏:‏ أتاني اليوم رجل أي في قوته ونفاذه فتقول‏:‏ ما أتاك رجل أي أتاك الضعفاء‏.‏

فإذا قال‏:‏ ما أتاك أحد صار نفياً ‏"‏ عاماً ‏"‏ لهذا كله فإنما مجراه في الكلام هذا‏.‏

ولو قال‏:‏ ما كان مثلك أحداً أو ما كان زيد أحداً كان ناقضاً لأنه قد علم أنه لا يكون زيد ولا مثله إلا من الناس‏.‏

ولو قلت ما كان مثلك اليوم أحد فإنه يكون أن لا يكون في اليوم إنسان على حاله إلا أن تقول‏:‏ ما كان زيد أحداً أي من الأحدين‏.‏

وما كان مثلك أحد على وجه تصغيره فتصير كأنك قلت‏:‏ ما ضرب زيد أحداً وما قتل مثلك أحداً‏.‏

والتقديم والتأخير في هذا بمنزلته في المعرفة وما ذكرت لك من الفعل‏.‏

وحسنت النكرة ‏"‏ ههنا ‏"‏ في هذا الباب لأنك لم تجعل الأعرف في موضع الأنكر وهما متكافئان كما تكافأت المعرفتان ولأن المخاطب قد يحتاج إلى علم ما ذكرت لك وقد عرف من تعنى بذلك كمعرفتك‏.‏

وتقول‏:‏ ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الاسم‏.‏

فإن جعلته على قولك فيها زيد قائم ‏"‏ نصبت ‏"‏ تقول‏:‏ ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك فيها إلا أنك إذا أردت الإلغاء فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن‏.‏

وإذا أردت أن يكون مستقراً تكتفي به فكلما قدمته كان أحسن لأنه إذا كان عاملاً في شيء قدمته كما تقدم أظن وأحسب وإذا ألغيت أخرته كما تؤخرهما لأنهما ليسا يعملان شيئاً‏.‏

والتقديم ههنا والتأخير ‏"‏ فيما يكون ظرفاً أو يكون اسماً في العناية والاهتمام مثله فيما ذكرت لك في باب الفاعل والمفعول‏.‏

وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير ‏"‏ والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير فمن ذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولم يكن له كفواً أحد ‏"‏‏.‏

وأهل الجفاء من العرب يقولون‏:‏ ولم يكن كفواً له أحد كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

لتقربن قرباً جلذياً ما دام فيهن ** فصل حيا فقد دجا الليل فهيا هيا

  هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع

بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله وذلك الحرف ‏"‏ ما ‏"‏‏.‏ تقول‏:‏ ما عبد الله أخاك وما زيد منطلقاً‏.‏

وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل أي لا يعلمونها في شيء وهو القياس لأنه ليس بفعل وليس ما كليس ولا يكون فيها إضمار‏.‏

وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها كما شبهوا بها لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة لا تكون لات إلا مع الحين تضمر فيها مرفوعاً وتنصب الحين لأنه مفعول به ولم تمكن تمكنها ولم تستعمل إلا مضمراً فيها لأنها ليس كليس في المخاطبة والإخبار عن غائب تقول لست ‏"‏ ولست ‏"‏ وليسوا وعبد الله ليس ذاهباً فتبنى على المبتدأ وتضمر فيه ولا يكون هذا في لات لا تقول‏:‏ عبد الله لات منطلقاً ولا قومك لاتوا منطلقين‏.‏

ونظير لات في أنه لا يكون إلا مضمراً فيه‏:‏ ليس ولا يكون في الاستثنار إذا قلت أتوني ليس زيداً ولا يكون بشراً‏.‏

وزعموا أن بعضهم قرأ‏:‏ ‏"‏ ولات حين مناص ‏"‏ وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك القيسي‏:‏ من فر عن نيرانها فأنا ابن قيس لا براح جعلها بمنزلة ليس فهي بمنزلة لات في هذا الموضع في الرفع‏.‏

ولا يجاوز بها هذا الحين رفعت أو نصبت ولا تمكن في الكلام كتمكن ليس وإنما هي مع الحين كما أن لدن إنما ينصب بها مع غدوة وكما أن التاء لا تجر في القسم ولا في غيره إلا في الله إذا قلت تالله لأفعلن‏.‏

ومثل ذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ما هذا بشراً ‏"‏ في لغة أهل الحجاز‏.‏

وبنو تميم يرفعونها إلا من درى كيف هي في المصحف‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ما منطلق عبد الله أو ما مسئ من أعتب رفعت‏.‏

ولا يجوز أن يكون مقدماً مثله مؤخراً كما أنه لا يجوز أن تقول‏:‏ إن أخوك عبد الله على حد قولك‏:‏ إن عبد الله أخوك لأنها ليست بفعل وإنما جعلت بمنزلته فكما لم تتصرف إن كالفعل كذلك لم يجز فيها كل ما يجوز فيه ولم تقو قوته فكذلك ما‏.‏

وتقول‏:‏ ما زيد إلا منطلق تستوي فيه اللغتان‏.‏

ومثله قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ما أنتم إلا بشر مثلنا ‏"‏ لما تقو ما حيث نقضت معنى ليس كما لو تقو حين قدمت الخبر‏.‏

فمعنى ليس النفي كما أن معنى كان الواجب وكل واحد منهما يعني وكان وليس إذا جردته فهذا معناه‏.‏

فإن قلت ما كان أدخلت عليها ما ينفى به‏.‏

فإن قلت ليس زيد إلا ذاهباً أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي‏.‏

فلم تقو ما في باب قلب المعنى كما لم تقو في تقديم الخبر‏.‏

وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق‏:‏ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش وإذا ما مثلهم بشر وهذا لا يكاد يعرف كما أن ‏"‏ لات حين مناص ‏"‏ كذلك‏.‏

ورب شيء هكذا وهو كقول بعضهم‏:‏ هذه ملحفة جديدة في القلة‏.‏

وتقول‏:‏ ما عبد الله خارجاً ولا معن ذاهب ترفعه على أن لا تشرك الاسم الآخر في ما ولكن تبتدئه كما تقول‏:‏ ما كان عبد الله منطلقاً ولا زيد ذاهب إذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الآن‏.‏

وكذلك ليس‏.‏

وإن شئت جعلتها لا التي يكون فيها الاشتراك فتنصب كما تقوم في كان‏:‏ ما كان زيد ذاهباً ولا عمرو منطلقاً‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ليس زيد ذاهباً ولا أخوك منطلقاً وكذلك ما زيد ذاهباً ولا معن خارجاً‏.‏

وليس قولهم لا يكون في ما إلا الرفع بشيء لأنهم يحتجون بأنك لا تستطيع أن تقول ولا ليس ولا ما فأنت تقول ليس زيد ولا أخوه ذاهبين وما عمرو ولا خالد منطلقين فتشركه مع الأول في ليس وفي ما‏.‏

فما يجوز في كان إلا أنك إن حملته على الأول أو ابتدأت فالمعنى أنك تنفي شيئاً غير كائن في حال حديثك‏.‏

وكان ‏"‏ الابتداء ‏"‏ في كان أوضح لأن المعنى يكون على ما مضى وعلى ما هو الآن‏.‏

وليس يمتنع أن يراد به الأول كما أردت في كان‏.‏

ومثل ذلك قولك إن زيداً ظريف وعمرو وعمراً فالمعنى في الحديث واحد وما يراد من الإعمال مختلف ‏"‏ في كان وليس وما ‏"‏‏.‏

وتقول‏:‏ ما زيد كريماً ولا عاقلاً أبوه تجعله كأنه للأول بمنزلة كريم لأنه ملتبس به إذا قلت أبوه تجريه عليه كما أجريت عليه الكريم لأنك لو قلت‏:‏ ما زيد عاقلاً أبوه نصبت وكان كلاماً‏.‏

وتقول‏:‏ ما زيد ذاهباً ولا عاقل عمرو لأنك لو قلت ما زيد عاقلاً عمرو لم يكن كلاماً لأنه ليس من سببه فترفعه على الابتداء والقطع من الأول كأنك قلت‏:‏ وما عاقل عمرو‏.‏

ولو جعلته من سببه لكان فيه له إضمار كالهاء في الأب ونحوها ولم يجز نصبه على ما لأنك لو ذكرت ما ثم قدمت الخبر لم يكن إلا رفعاً‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ ما زيد ذهباً ولا كريم أخوه إن ابتدأته ولم تجعله على ما كما فعلت ذلك حين بدأت بالاسم‏.‏

ولكن ليس وكان يجوز فيهما النصب وإن قدمت الخبر ولم يكن ملتبساً لأنك لو ذكرتهما كان الخبر فيهما مقدماً مثله مؤخراً وذلك قولك‏:‏ ما كان زيد ذاهباً ولا قائماً عمرو‏.‏

وتقول ما زيد ذاهباً ولا محسن زيد الرفع أجود وإن كنت تريد الأول لأنك لو قلت ما زيد منطلقاً زيد لم يكن حد الكلام وكان ههنا ضعيفاً ولم يكن كقولك ما زيد منطلقاً هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره وإنما ينبغي لك أن تضمره‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت ما زيد منطلقاً أبو زيد لم يكن كقولك ما زيد منطلقاً أبوه لأنك قد استغنيت عن الإظهار فلما كان هذا كذلك أجري مجرى الأجنبي واستؤنف على حاله حيث كان هذا ضعيفاً فيه‏.‏

وقد يجوز أن تنصب‏.‏

قال الشاعر وهو سواد ابن عدي‏:‏ لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فأعاد الإظهار‏.‏

وقال الجعدي‏:‏ إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها سواقط من حر وقد كان أظهرا لعمرك ما معن بتارك حقه ولا منسئ معن ولا متيسر وإذا قلت‏:‏ ما زيد منطلقاً أبو عمرو وأبو عمرو أبوه لم يجز لأنك لم تعرفه به ولم تذكر له إضماراً ولا إظهاراً فيه فهذا لا يجوز لأنك لم نجعل له فيه سبباً‏.‏

وتقول‏:‏ ما أبو زينب ذاهباً ولا مقيمة أمها ترفع لأنك لو قلت‏:‏ ما أبو زينب مقيمةً أمها لم يجز لأنها ليست من سببه وإنما عملت ما فيه لا في زينب‏.‏

ومن ذلك قول الشاعر وهو الأعور الشني‏:‏ هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي‏.‏

وقد جره قوم فجعلوه المأمور للمنهي والمنهى هو الأمور لأنه من الأمور وهو بعضها فأجراه وأنثه كما قال جرير‏:‏ إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم ومثل ذلك قول الشاعر النابغة الجعدي‏:‏ فليس بمعروف لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكر أن تعقرا كأنه قال‏:‏ ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ولا مستنكر عقرها والعقر ليس للرد‏.‏

وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد ويؤنث لأنه من الخيل كما قال ذو الرمة‏:‏ مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها من الرياح النواسم كأنه قال‏:‏ تسفهتها الرياح وكأنه قال‏:‏ ليس بآتيتك منهيها وليس بمعروفةٍ ردها حين كان من الخيل والخيل مؤنثة فأنث‏.‏

ومثل هذا قوله تعالى جده‏:‏ ‏"‏ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏"‏ أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى‏.‏

هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث كما جمع ههنا وهو في قوله ليس بآتيتك منهيها كأنه قال‏:‏ ليس بآتيتك الأمور‏.‏

وفي ليس بمعرفة ردها كأنه قال‏:‏ ليس بمعرفة خيلنا صحاحاً‏.‏

وإن شئت نصبت فقلت‏:‏ ولا مستنكراً أن تعقرا ولا قاصراً عنك مأمورها على قولك‏:‏ ليس زيد ذاهباً ولا عمرو ومنطلقاً أو ولا منطلقاً عمرو‏.‏

وتقول‏:‏ ما كل سوداء تمرةً ولا بيضاء شحمة وإن شئت نصبت شحمةً‏.‏

وبيضاء في موضع جر كأنك أظهرت كل فقلت ولا كل بيضاءً‏.‏

قال الشاعر أبو داود‏:‏ أكل امرئٍ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب‏.‏

وجاز كما جاز في قولك‏:‏ ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه وإن شئت قلت‏:‏ ولا مثل أخيه‏.‏

فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه‏.‏

وتفريقه أن تقول‏:‏ ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك‏.‏

ومثل ذلك ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك‏.‏

فلما جاز في هذا جاز في ذلك‏.‏

  هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله

وذلك قولك‏:‏ ليس زيد بجبان ولا بخيلاً وما زيد بأخيك ولا صاحبك‏.‏

والوجه فيه الجر لأنك تريد أن تشرك بين الخبرين وليس ينقض إجراؤه عليك المعنى‏.‏

وأن يكون آخره على أوله أولى ليكون حالهما في الباء سواءً كحالهما في غير الباء مع قربه منه‏.‏

وقد حملهم قرب الجوار على أن جروا‏:‏ هذا جحر ضبٍ خربٍ ونحوه فكيف ما يصح معناه‏.‏

ومما جاء من الشعر في الإجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي‏:‏ لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى ولم يحتج إليها وكان نصباً‏.‏

ألا ترى أنهم يقولون حسبك هذا وبحسبك هذا فلم تغير الباء معنى‏.‏

وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء لأن بحسبك في موضع ابتداءٍ‏.‏

ومثل ذلك قول لبيد‏:‏ فإن لم تجد من دون عدنان والداً ودون معدٍ فلتزعك العواذل والجر الوجه‏.‏

ولو قلت‏:‏ ما زيد على قومنا ولا عندنا كان النصب ليس غير لأنه لا يجوز حمله على على‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ ولا على عندنا لم يكن لأن عندنا لا تستعمل إلا ظرفاً وإنما أزدت أن تخبر أنه ليس عندكم‏.‏

وتقول‏:‏ أخذتنا بالجود وفوقه لأنه ليس من كلامهم وبفوقه‏.‏

ومثل ودون معدٍ قول الشاعر وهو كعب بن جعيل‏:‏ ألا حي ندماني عمير بن عامر إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وقال العجاج‏:‏ كشحا طوى من بلد مختاراً من يأسه اليائس أو حذارا وتقول‏:‏ ما زيد كعمرو ولا شبيهاً به وما عمرو كخالدٍ ولا مفلحاً النصب في هذا جيد لأنك إنما تريد ما هو مثل فلان ولا مفلحاً‏.‏

هذا وجه الكلام‏.‏

فإن أردت أن تقول ولا بمنزلة من يشبهه جررت وذلك قولك ما أنت كزيد ولا شبيهٍ به فإنما أردت ولا كشبيهٍ به‏.‏

وإذا قلت ما أنت بزيد ولا قريباً منه فإنه ليس ههنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجئ بها وأنت إذا ذكرت الكاف تمثل‏.‏

وتكون قريباً ههنا إن شئت ظرفاً‏.‏

فإن لم تجعل قريباً ظرفاً جاز فيه الجر على الباء والنصب على الموضع‏.‏

  هذا باب الإضمار في ليس وكان كالإضمار في إن

إذا قلت‏:‏ إنه من يأتينا نأته وإنه أمة الله ذاهبة‏.‏

فمن ذلك قول بعض العرب‏:‏ ليس خلق الله مثله‏.‏

فلولا أن فيه إضماراً لم يجز أن تذكر الفعل ولم تعمله في اسم ولكن فيه الإضمار مثل ما في إنه‏.‏

وسوف نبين حال هذا في الإضمار وكيف هو إن شاء الله‏.‏

قال الشاعر وهو حميد الأرقط‏:‏ فأصبحوا والنوى عالي معرسهم وليس كل النوى تلقى المساكين فلو كان كل على ليس ولا إضمار فيه لم يكن إلا الرفع في كل ولكنه انتصب على تلقى‏.‏

ولا يجوز أن تحمل المساكين على ليس وقد قدمت فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول وهذا لا يحسن‏.‏

لو قلت كانت زيداً الحمى تأخذ أو تأخذ الحمى لم يجز وكان قبيحاً‏.‏

ومثل ذلك في الإضمار قول بعض الشعراء العجير سمعناه ممن يوثق بعربيته‏:‏ إذا مت كان الناس صنفان‏:‏ شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع أضمر فيها‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان أنت خير منه كأنه قال إنه أنت خير منه‏.‏

ومثله‏:‏ كاد تزيغ قلوب فريق منهم وجاز هذا التفسير لأن معناه كادت قلوب فريق منهم تزيغ كما قلت‏:‏ ما كان الطيب إلا المسك على إعمال ما كان الأمر الطيب إلا المسك فجاز هذا إذ كان معناه ما الطيب إلا المسك‏.‏

وقال هشام أخو ذي الرمة‏:‏ هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الداء مبذول ولا يجوز ذا في ما في لغة أهل الحجاز لأنه لا يكون فيه إضمار‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ ما زيداً عبد الله إضماراً وما زيداً أنا قاتلاً لأنه لا يستقيم كما لم يستقيم في كان وليس أن تقدم ما يعمل فيه الآخر‏.‏

فإن رفعت الخبر حسن حمله على اللغة التميمية كما قلت‏:‏ أما زيداً فأنا ضاربٌ كأنك لم تذكر أما وكأنك لم تذكر ما وكأنك قلت‏:‏ وقال مزاحم العقيلي‏:‏ وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافى منى أنا عارف وقال بعضهم‏:‏ وما كل من وافى منى أنا عارف لزم اللغة الحجازية فرفع كأنه قال‏:‏ ليس عبد الله أنا عارف فأضمر الهاء في عارف‏.‏

وكان الوجه عارفه حيث لم يعمل عارف في كل وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير لأنهم قد يدعون هذه الهاء في كلامهم وفي الشعر كثيراً وذلك ليس في شيء من كلامهم ولا يكاد يكون في شعر‏.‏

وسترى ذلك إن شاء الله‏.‏

  هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل

ولم يتمكن تمكنه وذلك قولك ما أحسن عبد الله‏.‏

زعم الخليل أنه بمنزلة قولك‏:‏ شيء أحسن عبد الله ودخله معنى التعجب‏.‏

وهذا تمثيل ولم يتكلم به‏.‏

ولا يجوز أن تقدم عبد الله وتؤخر ما ولا تزيل شيئاً عن موضعه ولا تقول فيه ما يحسن ولا شيئاً مما يكون في الأفعال سوى هذا‏.‏

وبناؤه أبداً من فعل وفعل وفعل وأفعل هذا لأنهم لم يريدوا أن يتصرف فجعلوا له مثالاً واحداً يجري عليه فشبه هذا بما ليس من الفعل نحو لات وما‏.‏

وإن كان من حسن وكرم وأعطى كما قالوا أجدل فجعلوه اسماً وإن كان من الجدل وأجري مجرى أفكل‏.‏

ونظير جعلهم ما وحدها اسماً قول العرب‏:‏ إني مما أن أصنع أي من الأمر أن أصنع فجعل ما وحدها اسماً‏.‏

ومثل ذلك غسلته غسلاً نعماً أي نعم الغسل‏.‏

  هذا باب الفاعلين والمفعولين

اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به

وما كان نحو ذلك وهو قولك‏:‏ ضربت وضربني زيد وضربني وضربت زيداً تحمل الاسم على الفعل الذي يليه‏.‏

فالعامل في اللفظ أحد الفعلين وأما في المعنى فقد يعلم أن الأول قد وقع إلا أنه لا يعمل في اسم واحد نصب ورفع‏.‏

وإنما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه لا ينقض معنى وأن المخاطب قد عرف أن الأول قد وقع بزيد كما كان خشنت بصدره وصدر زيدٍ وجه الكلام حيث كان الجر في الأول وكانت الباء أقرب إلى الاسم من الفعل ولا تنقض معنىً سووا بينهما في الجر كما يستويان في النصب‏.‏

ومما يقوى ترك نحو هذا لعلم المخاطب قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ‏"‏ فلم يعمل الآخر فيما عمل فيه الأول استغناءً عنه ومثل ذلك‏:‏ ونخلع ونترك من يفجرك‏.‏

وجاء في الشعر من الاستغناء أشد من هذا وذلك قول قيس بن الخطيم‏:‏ وقال ضابيء البرجمي‏:‏ فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقياراً بها لغريب وقال أبن أحمر‏:‏ رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد لأنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الآخرين في هذه الصفة‏.‏

والأول أجود لأنه لم يضع واحداً في موضع جمع ولا جمعاً في موضع واحد‏.‏

ومثله قول الفرزدق‏:‏ إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي فكان وكنت غير غدور ترك أن يكون للأول خبر حين استغنى بالآخر لعلم المخاطب أن الأول قد دخل في ذلك‏.‏

ولو تحمل الكلام على الآخر لقلت‏:‏ ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم‏:‏ ضربت وضربني قومك‏.‏

وإذا قلت ضربني لم يكن سبيل للأول لأنك لا تقول ضربني وأنت تجعل المضمر جميعاً ولو أعملت الأول لقلت مررت ومر بي بزيد‏.‏

وإنما قبح هذا أنهم قد جعلوا الأقرب أولى إذا لم ينقض معنىً‏.‏

قال الشاعر وهو الفرزدق‏:‏ ولكن نصفاً لو سببت وسبني بنو عبد شمس من مناف وهاشم وكمتاً مدماةً كأن متونها جرى فوقها واستشعرت لون مذهب وقال رجل من باهلة‏:‏ ولقد أرى تغنى به سيفانة تصبي الحليم ومثلها أصباه فالفعل الأول في كل هذا معمل في المعنى وغير معمل في اللفظ والآخر معمل في اللفظ والمعنى‏.‏

فإن قلت‏:‏ ضربت وضربوني قومك نصبت إلا في قول من قال‏:‏ أكلوني البراغيث أو تحمله على البدل فتجعله بدلاً من المضمر كأنك قلت‏:‏ ضربت وضربني ناس بنو فلان‏.‏

وعلى هذا الحد تقول‏:‏ ضربت وضربني عبد الله تضمر في ضربني كما أضمرت في ضربوني‏.‏

فإن قلت‏:‏ ضربني وضربتهم قومك رفعت لأنك شغلت الآخر فأضمرت فيه كأنك قلت ضربني قومك وضربتهم على التقديم والتأخير إلا أن تجعل ههنا البدل كما جعلته في الرفع‏.‏

فإن فعلت ذلك لم يكن بد من ضربوني لأنك تضمر فيه الجمع‏.‏

قال عمر بن أبي ربيعة‏:‏ إذا هي لم تستك بعود أراكة تنخل فاستاكت به عود إسحل لأنه أضمر في آخر الكلام‏.‏

وقال المرار الأسدي‏:‏ فرد على الفؤاد هوى عميداً وسوئل لو يبين لنا سؤالا وقد نغني بها ونرى عصوراً بها يقتدننا الخرد الخدالا وإذا قلت‏:‏ ضربوني وضربتهم قومك جعلت القوم بدلاً من هم لأن الفعل لا بد له من فاعل والفاعل ههنا جماعة وضمير الجماعة الواو‏.‏

وكذلك تقول‏:‏ ضربوني وضربت قومك إذا أعملت الآخر فلا بد في الأول من ضمير الفاعل لئلا يخلو من فاعل‏.‏

وإنما قلت‏:‏ ضربت وضربني قومك فلم تجعل في الأول الهاء والميم لأن الفعل قد يكون بغير مفعول ولا يكون الفعل بغير فاعل‏.‏

وقال امرؤ القيس‏:‏ فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال فإنما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوباً وإنما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافياً ولو لم يرد ونصب فسد المعنى‏.‏

وقد يجوز ضربت وضربني زيداً لأن بعضهم قد يقول‏:‏ متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً والوجه متى رأيت أو قلت زيد منطلقٌ‏.‏

ومثل ذلك في الجواز ضربني وضربت قومك والوجه أن تقول‏:‏ ضربوني وضربت قومك فتحمله على الآخر‏.‏

فإن قلت‏:‏ ضربني وضربت قومك فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد كما تقول‏:‏ هو أحسن الفتيان وأجمله وأكرم بنيه وأنبله‏.‏

ولا بد من هذا لأنه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الأسماء كأنك قلت إذا مثلته‏:‏ ضربني من ثم وضربت قومك‏.‏

وترك ذلك أجود وأحسن للتبيان الذي يجيء بعده فأضمر من لذلك‏.‏

قال الأخفش‏:‏ فهذا رديء في القياس يدخل فيه أن تقول‏:‏ أصحابك جلس تضمر شيئاً يكون في اللفظ واحداً‏.‏

فقولهم‏:‏ هو أظرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه ألا ترى أنك لو قلت وأنت تريد الجماعة‏:‏ هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن‏.‏

  هذا باب ما يكون فيه الاسم مبنياً على الفعل قدم أو أخر

وما يكون فيه الفعل مبنياً على الاسم

فإذا بنيت الاسم عليه قلت‏:‏ ضربت زيداً وهو الحد لأنك تريد أن تعمله وتحمل عليه الاسم كما كان الحد ضرب زيد عمراً حيث كان زيد أول ما تشغل به الفعل‏.‏

وكذلك هذا إذا كان يعمل فيه‏.‏

وإن قدمت الاسم فهو عربيٌ جيد كما كان ذلك عربياً جيداً وذلك قولك‏:‏ زيداً ضربت والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير سواء مثله في ضرب زيد عمراً وضرب فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت‏:‏ زيد ضربته فلزمته الهاء‏.‏

وإنما تريد بقولك مبنى عليه الفعل أنه في موضع منطلق إذا قلت‏:‏ عبد الله منطلق فهو في موضع هذا الذي بني على الأول وارتفع به فإنما قلت عبد الله فنسبته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء‏.‏

ومثل ذلك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏"‏ وأما ثمود فهديناهم ‏"‏ وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملاً في المضمر وشغلته به ولولا ذلك لم يحسن لأنك لم تشغله بشيء‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ زيداً ضربته وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت‏:‏ ضربت زيداً ضربته إلا أنهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره‏.‏

فالاسم ها هنا مبني على هذا المضمر‏.‏

ومثل ترك إظهار الفعل ها هنا ترك الإظهار في الموضع الذي تقدم فيه الإضمار وستراه إن شاء الله‏.‏

وقد قرأ بعضهم‏:‏ ‏"‏ وأما ثمود فهديناهم ‏"‏‏.‏

وأنشدوا هذا البيت على وجهين‏:‏ على النصب والرفع قال بشر بن أبي خازم‏:‏ فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم روبى نياما ومنه قول ذي الرمة‏:‏ فالنصب عربيٌ كثيرٌ والرفع أجود لأنه إذا أراد الإعمال فأقرب إلى ذلك أن يقول‏:‏ ضربت زيداً وزيداً ضربت ولا يعمل الفعل في مضمر ولا يتناول به هذا المتناول البعيد‏.‏

وكل هذا من كلامهم‏.‏

ومثل هذا‏:‏ زيداً أعطيت وأعطيت زيداً وزيدٌ أعطيته لأن أعطيت بمنزلة ضربت‏.‏

وقد بين المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل في أول الكتاب‏.‏

فإن قلت‏:‏ زيد مررت به فهو من النصب أبعد من ذلك لأن المضمر قد خرج من الفعل وأضيف الفعل إليه بالباء ولم يوصل إليه الفعل في اللفظ فصار كقولك‏:‏ زيد لقيت أخاه‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ زيداً مررت به تريد أن تفسر به مضمراً كأنك قلت إذا مثلت ذلك‏:‏ جعلت زيداً على طريقي مررت به ولكنك لا تظهر هذا الأول لما ذكرت لك‏.‏

وإذا قلت‏:‏ زيد لقيت أخاه فهو كذلك وإن شئت نصبت لأنه إذا وقع على شيء من سببه فكأنه قد وقع به‏.‏

والدليل على ذلك أن الرجل يقول أهنت زيداً بإهانتك أخاه وأكرمته بإكرامك أخاه‏.‏

وهذا النحو في الكلام كثير يقول الرجل إنما أعطيت زيداً وإنما يريد لمكان زيد أعطيت فلاناً‏.‏

وإذا نصبت زيداً لقيت أخاه فكأنه قال‏:‏ لا بست زيداً لقيت أخاه‏.‏

وهذا تمثيل ولا يتكلم به فجرى هذا على ما جرى عليه قولك أكرمت زيداً وإنما وصلت الأثرة إلى غيره‏.‏

والرفع في هذا أحسن وأجود لأن أقرب إلى ذلك أن تقول‏:‏ مررت بزيد ولقيت أخا عمرو‏.‏

ومثل هذا في البناء على الفعل وبناء الفعل عليه أيهم وذلك قولهم‏:‏ أيهم تر يأتك وأيهم تره يأتك‏.‏

والنصب على ما ذكرت لك لأنه كأنه قال‏:‏ أيهم تر تره يأتك فهو مثل زيد في هذا الباب‏.‏

وقد يفارقه في أشياء كثيرةٍ ستبين إن شاء الله‏.‏

  هذا باب ما يجري مما يكون ظرفاً هذا المجرى

وذلك قولك يوم الجمعة ألقاك فيه وأقل يوم لا ألقاك فيه وأقل يوم لا أصوم فيه وخطيئة يوم لا أصيد فيه ومكانكم قمت فيه‏.‏

فصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع عبد الله وصار ما بعدها مبنياً عليها كبناء الفعل على الاسم الأول فكأنك قلت‏:‏ يوم الجمعة مبارك ومكانكم حسن وصار الفعل في موضع هذا‏.‏

وإنما صار هذا كهذا حين صار في الآخر إضمار اليوم والمكان فخرج من أن يكون ظرفاً كما يخرج إذا قلت‏:‏ يوم الجمعة مبارك فإذا قلت‏:‏ يوم الجمعة صمته فصمته في موضع مبارك حيث كان المضمر هو الأول كما كان المبارك هو الأول‏.‏

ويدخل النصب فيه كما دخل في الاسم الأول ويجوز في ذلك يوم الجمعة آتيك فيه وأصوم فيه كما جاز في قولك‏:‏ عبد الله مررت به كأنه قال‏:‏ ألقاك يوم الجمعة فنصبه لأنه ظرف ثم فسر فقال ألقاك فيه‏.‏

وإن شاء نصبه على الفعل نفسه كما أعمل فيه الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول كل ذلك عربي جيد‏.‏

أو نصبه لأنه ظرف لفعل أضمره وكأنه قال‏:‏ يوم الجمعة ألقاك‏.‏

والنصب في‏:‏ يوم الجمعة صمته ويوم الجمعة سرته مثله في قولك‏:‏ عبد الله ضربته إلا أنه إن شاء نصبه بأنه ظرف وإن شاء أعمل فيه الفعل كما أعمله في عبد الله لأنه يكون ظرفاً وغير ظرف‏.‏

ولا يحسن في الكلام أن يجعل الفعل مبنياً على الاسم ولا يذكر علامة إضمار الأول حتى يخرج من لفظ الإعمال في الأول ومن حال بناء الاسم عليه ويشغله بغير الأول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه ولكنه قد يجوز في الشعر وهو ضعيف في الكلام‏.‏

قال الشاعر وهو أبو النجم العجلي‏:‏ قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنباً كله لم أصنع فهذا ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر لأن النصب لا يسكر البيت ولا يخل به ترك إظهار الهاء‏.‏

وكأنه قال‏:‏ كله غير مصنوع‏.‏

وقال امرؤ القيس‏:‏ فأقبلت زحفاً على الركبتين فثوب لبست وثوب أجر وقال النمر بن تولب‏:‏ سمعناه من العرب ينشدونه‏.‏

يريدون‏:‏ نساء فيه ونسر فيه‏.‏

وزعموا أن بعض العرب يقول‏:‏ شهرٌ ثرى وشهرٌ ترى وشهرٌ مرعى‏.‏

يريد‏:‏ ترى فيه‏.‏

وقال‏:‏ ثلاث كلهن قتلت عمداً فأخزى الله رابعة تعود فهذا ضعيف والوجه الأكثر الأعرف النصب وإنما شبهوه بقولهم‏:‏ الذي رأيت فلان حيث لم يذكروا الهاء‏.‏

وهو في هذا أحسن لأن رأيت تمام الاسم به يتم وليس بخبر ولا صفةٍ فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما كرهوا طول اشهيباب فقالوا‏:‏ اشهباب‏.‏

وهو في الوصف أمثل منه في الخبر وهو على ذلك ضعيف ليس كحسنه بالهاء لأنه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه وليس بمنقطع منه خبراً مبنياً عليه ولا مبتدأ فضارع ما يكون من تمام الاسم وإن لم يكن تماماً له ولا منه في البناء‏.‏

وذلك قولك‏:‏ هذا رجل ضربته والناس رجلان‏:‏ رجل أكرمته ورجل أهنته كأنه قال‏:‏ هذا رجل مضروب والناس رجلان‏:‏ رجل مكرم ورجل مهان‏.‏

فإن حذفت الهاء جاز وكان أقوى مما يكون خبراً‏.‏

ومما جاء في الشعر من ذلك قول جرير‏:‏ أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح يريد الهاء‏.‏

وقال الشاعر الحرث بن كلدة‏:‏ يريد‏:‏ أصابوه ولا سبيل إلى النصب وإن تركت الهاء لأنه وصف كما لم يكن النصب فيما أتممت به الاسم يعني الصلة‏.‏

فمن ثم كان أقوى مما يكون في موضع المبني على المبتدإ لأنه لا ينصب به‏.‏

وإنما منعهم أن ينصبوا بالفعل الاسم إذا كان صفةً له أن الصفة تمام الاسم ألا ترى أن قولك مررت بزيد الأحمر كقولك مررت بزيد وذلك أنك لو احتجت إلى أن تنعت فقلت‏:‏ مررت بزيد وأنت تريد الأحمر وهو لا يعرف حتى تقول الأحمر لم يكن تم الاسم فهو يجري منعوتاً مجرى مررت بزيد إذا كان يعرف وحده فصار الأحمر كأنه من صلته‏.‏

  باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدإ مبنياً عليه الفعل

وذلك قولك‏:‏ رأيت زيداً وعمراً كلمته ورأيت عبد الله وزيداً مررت به ولقيت قيساً وبكراً أخذت أباه ولقيت خالداً وزيداً اشتريت له ثوباً‏.‏

وإنما اختير النصب ههنا لأن الاسم الأول مبني على الفعل فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم إذ كان يبنى على الفعل وليس قبله اسم مبني على الفعل ليجري الآخر على ما جرى عليه الذي يليه قبله إذ كان لا ينقض المعنى لو بنيته على الفعل‏.‏

وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه إذ كانوا يقولون‏:‏ ضربوني وضربت قومك لأنه يليه فكان أن يكون الكلام على وجهٍ واحدٍ - إذا كان لا يمتنع الآخر من أن يكون مبنياً على ما بني عليه الأول - أقرب في المأخذ‏.‏

ومثل ذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً ‏"‏‏.‏

وقوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً‏.‏

وكلا ضربنا له الأمثال ‏"‏‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة ‏"‏‏.‏

وهذا في القرآن كثير‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ كنت أخاك وزيداً كنت له أخاً لأن كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك‏.‏

وتقول‏:‏ لست أخاك وزيداً أعنتك عليه لأنها فعل وتصرف في معناها كتصرف كان‏.‏

وقال الشاعر وهو الربيع بن ضبع الفزاري‏:‏ أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقد يبتد أفيحمل على مثل ما يحمل عليه وليس قبله منصوب وهو عربي جيد‏.‏

وذلك قولك‏:‏ لقيت زيداً وعمرو كلمته كأنك قلت‏:‏ لقيت زيداً وعمرو أفضل منه‏.‏

فهذا لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لم تذكر فعلاً‏.‏

فإذا جاز أن يكون في المبتدإ بهذه المنزلة جاز أن يكون بين الكلامين‏.‏

وأقرب منه إلى الرفع‏:‏ عبد الله لقيت وعمرو لقيت أخاه وخالداً رأيت وزيد كلمت أباه‏.‏

هو ها هنا إلى الرفع أقرب كما كان في الابتداء من النصب أبعد‏.‏

وأما قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ‏"‏ فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفةً منكم وطائفة في هذه الحال كأنه قال‏:‏ إذ طائفة في هذه الحال فإنما جعله وقتاً ولم يرد أن يجعلها واو عطف وإنما هي واو الابتداء‏.‏

ومما يختار فيه النصب لنصب الأول قوله‏:‏ ما لقيت زيداً ولكن عمراً مررت به وما رأيت زيداً بل خالداً لقيت أباه تجريه على قولك‏:‏ لقيت زيداً وعمراً لم ألقه يكون الآخر في أنه يدخله في الفعل بمنزلة هذا حيث لم يدخله لأن بل ولكن لا تعملان شيئاً وتشركان الآخر مع الأول لأنهما كالواو وثم والفاء فأجرهما مجراهن فيما كان النصب فيه الوجه وفيما جاز فيه الرفع‏.‏

  هذا باب يحمل فيه الاسم على اسم بني عليه الفعل مرةً

ويحمل مرةً أخرى على اسم مبني على الفعل

أي ذلك فعلت جاز‏.‏

فإن حملته على الاسم الذي بني عليه الفعل كان بمنزلته إذا بنيت عليه الفعل مبتدأ يجوز فيه ما يجوز فيه إذا قلت‏:‏ زيد لقيته وإن حملته على الذي بني على الفعل اختير فيه النصب كما اختير فيما قبله وجاز فيه ما جاز في الذي قبله‏.‏

وذلك قولك‏:‏ عمرو ولقيته وزيد كلمته إن حملت الكلام على الأول‏.‏

وإن حملته على الآخر قلت‏:‏ عمرو لقيته وزيداً كلمته‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ زيد لقيت أباه وعمراً مررت به إن حملته على الأب‏.‏

وإن حملته على الأول رفعت‏.‏

والدليل على أن الرفع والنصب جائز كلاهما أنك تقول‏:‏ زيد لقيت أباه وعمراً إن أردت أنك لقيت عمراً والأب‏.‏

وإن زعمت أنك لقيت أبا عمرو ولم تلقه رفعت‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ زيد لقيته وعمرو إن شئت رفعت وإن شئت قلت‏:‏ زيد لقيته وعمراً‏.‏

وتقول أيضاً‏:‏ زيد ألقاه وعمراً وعمر‏.‏

فهذا يقوى أنك بالخيار في الوجهين‏.‏

وتقول‏:‏ زيد ضربني وعمرو مررت به إن حملته على زيد فهو مرفوع لأنه مبتدأ والفعل مبني عليه وإن حملته على المنصوب قلت زيد ضربني وعمراً مررت به لأن هذا الإضمار بمنزلة الهاء في ضربته‏.‏

فإن قلت‏:‏ ضربني زيد وعمراً مررت به فالوجه النصب لأن زيداً ليس مبنياً عليه الفعل مبتدأ وإنما هو ههنا بمنزلة التاء في ضربته وذكرت المفعول الذي يجوز فيه النصب في الابتداء فحملته على مثل ما حملت ما قبله وكان الوجه إذ كان ذلك يكون فيه في الابتداء‏.‏

وإذا قلت‏:‏ مررت يزيد وعمراً مررت به نصبت وكان الوجه لأنك بدأت بالفعل ولم تبتدئ اسماً تبنيه عليه ولكنك قلت‏:‏ فعلت ثم بنيت عليه المفعول وإن كان الفعل لا يصل إليه إلا بحرف الإضافة فكأنك قلت‏:‏ مررت زيداً‏.‏

ولولا أنه كذلك ما كان وجه الكلام زيداً مررت به وقمت وعمراً مررت به‏.‏

ونحو ذلك قولك‏:‏ خشنت بصدره فالصدر في موضع نصب وقد عملت الباء‏.‏

و ‏"‏ كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ‏"‏ إنما هي كفى الله ولكنك لما أدخلت الباء عملت والموضع موضع نصب وفي معنى النصب‏.‏

وهذا قو الخليل رحمه الله‏.‏

وإذا قلت‏:‏ عبد الله مررت به أجريت الاسم بعده مجراه بعد‏:‏ زيد لقيته لأن مررت بعبد الله يجري مجرى لقيت عبد الله‏.‏

وتقول‏:‏ هذا ضارب عبد الله وزيداً يمر به إن حملته على المنصوب فإن حملته على المبتدإ وهو هذا رفعت‏.‏

فإن ألقيت النون وأنت تريد معناها فهو بتلك المنزلة وذلك قولك‏:‏ هذا ضارب زيد غداً وعمراً سيضربه‏.‏

ولولا أنه كذلك لما قلت‏:‏ أزيداً أنت ضاربه وما زيداً أنا ضاربه‏.‏

فهذا نحو مررت بزيد لأن معناه منوناً وغير منون سواء كما أنك إذا قلت‏:‏ مررت بزيد فكأنك قلت‏:‏ مررت زيداً‏.‏

ومما يختار فيه النصب قول الرجل‏:‏ من رأيت وأيهم رأيت فتقول‏:‏ زيداً رأيته تنزله منزلة قولك‏:‏ كلمت عمراً وزيداً لقيته‏.‏

ألا ترى أن الرجل يقول‏:‏ من رأيت فتقول‏:‏ زيداً على كلامه فيصير هذا بمنزلة قولك رأيت زيداً وعمراً يجري على الفعل كما يجري الآخر على الأول بالواو‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ أرأيت زيداً فتقول لا ولكن عمراً مررت به‏.‏

ألا ترى أنه لو قال لا ولكن عمراً لجرى على أرأيت‏.‏

فإن قال‏:‏ من رأيته وأيهم رأيته فأجبته قلت زيد رأيته إلا في قول من قال زيداً رأيته في الابتداء لأن هذا كقولك‏:‏ أيهم منطلق ومن رسول فيقول فلان‏.‏

وإن قال‏:‏ أعبد الله مررت به أم زيداً قلت‏:‏ زيداً مررت به كما فعلت ذلك في الأول‏.‏

فإن قلت لا بل زيداً فانصب أيضاً كما تقول زيداً إذا قال من رأيت لأن مررت به تفسيره لقيته ونحوها‏.‏

فإنما تحمل الاسم على ما يحمل السائل كأنهم قالوا‏:‏ أيهم أتيت فقلت زيداً‏.‏

ولو قلت‏:‏ مررت بعمرو وزيداً لكان عربياً فكيف هذا لأنه فعل والمجرور في موضع مفعول منصوب ومعناه أتيت ونحوها تحمل الاسم إذا كان العامل الأول فعلاً وكان المجرور في موضع المنصوب على فعل لا ينقض المعنى‏.‏

كما قال جرير‏:‏ جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظورة بن سيار ومثله قول العجاج‏:‏ كأنه قال‏:‏ ويسلكن غوراً غائراً لأن معنى يذهبن فيه يسلكن‏.‏

ولا يجوز أن تضمر فعلاً لا يصل إلا بحرف جر لأن حرف الجر لا يضمر وسترى بيان ذلك‏.‏

ولو جاز ذلك لقلت زيد تريد مر بزيد‏.‏

ومثل هذا وحوراً عيناً في قراءة أبي بن كعب‏.‏

فإن قلت‏:‏ لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به ولقيت زيداً وإذا عبد الله يضربه عمرو فالرفع إلا في قول من قال‏:‏ زيداً رأيته وزيداً مررت به لأن أما وإذا يقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام إلى الابتداء إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثم والفاء ألا ترى أنهم قرءوا‏:‏ ‏"‏ وأما ثمود فهديناهم ‏"‏ وقبله نصب وذلك لأنها تصرف الكلام إلى الابتداء إلا أن يوقع بعدها فعل نحو أما زيداً فضربت‏.‏

ولو قلت‏:‏ إن زيداً فيها أو أن فيها زيداً وعمرو أدخلته أو دخلت به رفعته إلا في قول من قال‏:‏ زيداً أدخلته وزيداً دخلت به لأن إن ليس بفعل وإنما هو مشبه به‏.‏

ألا ترى أنه لا يضمر فيه فاعل ولا يؤخر فيه الاسم وإنما هو بمنزلة الفعل كما أن عشرين درهماً وثلاثين رجلاً بمنزلة ضاربين عبد الله وليس بفعل ولا فاعل‏.‏

وكذلك ما أحسن عبد الله وزيد قد رأيناه فإنما أجريته - يعني أحسن - في الموضع مجرى الفعل في عمله وليس كالفعل ولم يجيء على أمثلته ولا على إضماره ولا تقديمه ولا تأخيره ولا تصرفه وإنما هو بمنزلة لدن غدوةً وكم رجلاً فقد عملا عمل الفعل وليسا بفعل ولا فاعل‏.‏

ومما يختار فيه النصب لنصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة الواو والفاء وثم قولك‏:‏ لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته وضربت القوم حتى زيداً ضربت أباه وأتيت القوم أجمعين حتى زيداً مررت به ومررت بالقوم حتى زيداً مررت به‏.‏

فحتى تجري مجرى الواو وثم وليست بمنزلة أما لأنها إنما تكون على الكلام الذي قبلها ولا تبتدأ وتقول‏:‏ رأيت القوم حتى عبد الله وتسكت فإنما معناه أنك قد رأيت عبد الله مع القوم كما كان رأيت القوم وعبد الله على ذلك‏.‏

وكذلك ضربت القوم حتى زيداً أنا ضاربه‏.‏

وتقول‏:‏ هذا ضارب القوم حتى زيداً يضربه إذا أردت معنى التنوين فهي كالواو إلا أنك تجر بها إذا كانت غايةً والمجرور مفعول كما أنك إذا قلت هذا ضارب زيد غداً تجر بكف التنوين‏.‏

وهو مفعول بمنزلته منصوباً منوناً ما قبله‏.‏

ولو قلت‏:‏ هلك القوم حتى زيداً أهلكته اختير النصب ليبنى على الفعل كما بني ما قبله مرفوعاً كان أو منصوباً كما فعل ذلك بعد ما بني على الفعل وهو مجرور‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنما هو لنصب اللفظ فلا تنصب بعد مررت بزيد وانصب بعد إن فيها زيداً‏.‏

وإن كان الأول لأنه في معنى الحديث مفعول فلا ترفع بعد عبد الله إذا قلت عبد الله ضربته إذا كان بعده‏:‏ وزيداً مررت به‏.‏

وقد يحسن الجر في هذا كله وهو عربي‏.‏

وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته فإنما جاء بلقيته توكيداً بعد أن جعله غايةً كما تقول مررت بزيد وعبد الله مررت به‏.‏

قال الشاعر وهو ابن مروان النحوي‏:‏ ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها والرفع جائز كما جاز في الواو وثم وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته كأنك لقيت القوم حتى زيد ملقى وسرحت القوم حتى زيد مسرح وهذا لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لم تذكر فعلاً فإذا كان في الابتداء زيد لقيته بمنزلة زيد منطلق جاز ههنا الرفع‏.‏  باب ما يختار فيه النصب وليس قبله منصوب بني على الفعل

وهو باب الاستفهام وذلك أن من الحروف حروفاً لا يذكر بعدها إلا الفعل ولا يكون الذي يليها غيره مظهراً أو مضمراً‏.‏

فما لا يليه الفعل إلا مظهراً‏:‏ قد وسوف ولما ونحوهن‏.‏

فإن اضطر شاعر فقدم الاسم وقد أوقع الفعل على شيء من سببه لم يكن حد الإعراب إلا النصب وذلك نحو لم زيدا أضربه ‏"‏ إذا اضطر شاعر فقدم لم يكن إلا النصب في زيد ليس غير ولو كان في شعر ‏"‏ لأنه يضمر الفعل إذا كان ليس مما يليه الاسم كما فعلوا ذلك في مواضع ستراها إن شاء الله‏.‏

وأما ما يجوز فيه الفعل مضمراً ومظهراً مقدماً ومؤخراً ولا يستقيم أن يبتدأ بعده الأسماء فهلا ولولا ولوما وألا لو قلت‏:‏ هلا زيداً ضربت ولولا زيداً ضربت وألا زيداً قتلت جاز‏.‏

ولو قلت‏:‏ ألا زيداً وهلا زيداً على إضمار الفعل ولا تذكره جاز‏.‏

وإنما جاز ذلك لأن فيه معنى التحضيض والأمر فجاز فيه ما يجوز في ذلك‏.‏

ولو قلت‏:‏ سوف زيدا أضرب لم يحسن أو قد زيدا لقيت لم يحسن لأنها إنما وضعت للأفعال إلا أنه جاز في تلك الأحرف التأخير والإضمار لما فابتدءوا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك ألا ترى أنهم يقولون‏:‏ هل زيد منطلق وهل زيد في الدار ‏"‏ وكيف زيد آخذ ‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل زيداً رأيت وهل زيد ذهب قبح ولم يجز إلا في الشعر لأنه لما اجتمع الاسم والفعل حملوه على الأصل فإن اضطر شاعر فقدم الاسم نصب كما كنت فاعلاً ذلك بقد ونحوها‏.‏

وهو في هذه أحسن لأنه يبتدأ بعدها الأسماء‏.‏

وإنما فعلوا ذلك بالاستفهام لأنه كالأمر في أنه غير واجب وأنه يريد ‏"‏ به ‏"‏ من المخاطب أمراً لم يستقر عند السائل‏.‏

ألا ترى أن جوابه جزم فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم الاسم لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء وجوابها كجوابه وقد يصير معنى حديثها إليه‏.‏

وهي غير واجبة كالجزاء فقبح تقديم الاسم ‏"‏ لهذا ‏"‏‏.‏

ألا ترى أنك إذا قلت‏:‏ أين عبد الله آته فكأنك قلت‏:‏ حيثما يكن آته‏.‏

وأما الألف فتقديم الاسم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هلا ‏"‏ وذلك ‏"‏ لأنها حرف الاستفهام الذي لا يزول ‏"‏ عنه ‏"‏ إلى غيره وليس للاستفهام في الأصل غيره‏.‏

وإنما تركوا الألف في من ومتى وهل وهنحوهن حيث أمنوا الالتباس ألا ترى أنك تدخلهاعلى من إذا تمت بصلتها كقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي أمناً يوم القيامة ‏"‏‏.‏

وتقول‏:‏ أم هل فإنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف استغناء إذ كان هذا ‏"‏ الكلام ‏"‏ لا يقع إلا في الاستفهام‏.‏

وسوف تراه إن شاء الله متبينا أيضاً‏.‏

فهي ههنا بمنزلة إن في باب الجزاء فجاز تقديم الاسم فيها كما جاز في قولك‏:‏ إن شاء الله أمكنني من فلان فعلت ‏"‏ كذا وكذا ‏"‏‏.‏

ويختار فيها النصب لأنك تضمر الفعل فيها لأن الفعل أولى إذا اجتمع هو والاسم‏.‏

وكذلك كنت فاعلاً في إن لأنها إنما هي للفعل‏.‏

وسترى بيان ذلك إن شاء الله‏.‏

فالألف إذا كان معها فعل بمنزلة لولا وهلا إلا أنك إن شئت رفعت فيها وهو في الألف أمثل منه في متى ونحوها لأنه ق صار فيها مع أنك تبتدي بعدها الأسماء أنك تقدم الاسم قبل الفعل والرفع فيها على الجواز‏.‏

ولا يجوز ذلك في هلا ولولا لأنه لا يبتدأ بعدهما الأسماء‏.‏

وليس جواز الرفع في الألف مثل جواز الرفع في ضربت زيدا وعمراً كلمته لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى وإنما اختير هذا على الجواز وليكون معنى واحداً فهذا أقوى‏.‏

والذي يشبهه من حروف الاستفهام الألف‏.‏

‏"‏ واعلم أ حروف الاستفهام كلها يقبح أن يصير بعدها الاسم إذا كان الفعل بعد الاسم‏:‏ لو قلت‏:‏ هل زيد قام وأين زيد ضربته لم يجز إلا في الشعر فإذا جاء في الشعر نصبته إلا الألف فإنه يجوز فيها الرفع والنصب لأن الألف قد يبتدأ بعدها الاسم‏.‏

فإن جئت في سائر حروف الاستفهام باسم وبعد ذلك الاسم اسم من فعل نحو ضارب جاز في الكلام ولا يجوز فيه النصب إلا في الشعر لو قلت‏:‏ هل زيد أنا ضاربه لكان جيدا في الكلام لأن ضارباً اسم وإن كان في معنى الفعل‏.‏

ويجوز النصب في الشعر ‏"‏‏.‏